بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة
مكتب الصحافة والدبلوماسية العامة 23 آذار/مارس 2022 بحسب إلقائهاطاب يومكم يا حضرة الزملاء.
قبل أن أبدأ، أريد أن أعرب عن حزني الشديد لوفاة وزيرة الخارجية السابقة وسفيرة الولايات المتحدة السابقة إلى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت. كانت الوزيرة أولبرايت مرشدة. كانت مديرتي عندما كانت وزيرة للخارجية، وعملت معها في جورج تاون. وكانت زميلة وصديقة على مدى عدة عقود. كانت رائدة وأول امرأة تشغل منصب وزيرة الخارجية. لقد تركت بصمة لا تمحى في العالم وفي الأمم المتحدة. الولايات المتحدة والأمم المتحدة أقوى بفضل خدمتها. كانت تتحدث عن الدبابيس التي كانت تضعها على ملابسها، وأنا أذكرها دائما.
تردد صدى قصتها… قصة فرارها من تشيكوسلوفاكيا كلاجئة في سن مبكرة وارتقائها إلى أعلى المستويات في الحكومة الأمريكية قد خطرت على بالي مرارا في خضم الأزمة الحالية في أوكرانيا. آمل أن أنصف ذكراها اليوم. أنا متأكده من أن فرصة تذكر الوزيرة أولبرايت وتكريم مساهماتها العديدة ستتاح لنا عدة مرات في الأيام المقبلة. ولكنني أحزن اليوم لفقدانها كصديقة لي وأقدم تعازيّ لعائلتها.
شكرا سيدي الرئيس.
يصادف يوم غد مرور شهر على بدء روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا. شهر من القصف المتواصل. شهر من الاعتداءات الوحشية على رياض الأطفال ودور الأيتام والمباني السكنية وأقسام الولادة. شهر من الهجمات المستمرة التي دمرت البنية التحتية وتركت ملايين الأوكرانيين بدون إمكانية وصول موثوق إلى المياه النظيفة والتدفئة والكهرباء. شهر من مستويات الجوع المتصاعدة والنزوح والصدمات النفسية. شهر من أعمال عنف بلا معنى ولا مغزى بدأها الرئيس بوتين بدون أي اعتبار لعدد الأرواح الأوكرانية والروسية التي ستتم التضحية بها في هذه العملية.
يكفي أن نلقي نظرة على محنة الناس في ماريوبول لنفهم الوحشية التي تعامل بها الرئيس بوتين. ماريوبول التي كان يسكنها حوالى نصف مليون شخص باتت بدون طعام أو مياه أو كهرباء أو غاز منذ أسابيع. وقصفت روسيا في خلال تلك الفترة مستشفى للأطفال والولادة في ماريوبول وقال شهود عيان لمسؤولي الأمم المتحدة إنه كان “قيد التشغيل ويمكن التعرف عليه بوضوح” عندما تعرض لضربة.
وأفادت وسائل الإعلام والمدنيون أن القوات الروسية واصلت قصف ممر إنساني ومنعت وصول الإمدادات الحيوية المنقذة للحياة إلى ماريوبول. وعلى الرغم من إعلان روسيا وقف إطلاق النار من أجل إجلاء المدنيين، واصلنا مشاهدة صور الدبابات الروسية وهي تقصف المباني السكنية والمدارس وحتى مسرح كبير كتب عليه كلمة “أطفال” بأحرف كبيرة يمكن رؤيتها من الجو.
سمعنا تقارير مروعة عن نقل عدة آلاف من سكان ماريوبول مرغمين إلى معسكرات في روسيا واختطاف صحفيين ونشطاء محليين وقصف واسع النطاق وهجمات على المدنيين. وأفادت السلطات المحلية عن مقتل ما لا يقل عن 2400 مدني في تلك المدينة الأوكرانية وحدها منذ بدأت روسيا هجماتها، ولكنهم يعلمون أن الخسائر ستكون أعلى بكثير متى تهدأ الأمور.
تحدث الأمين العام للأمم المتحدة هذا الأسبوع عن الدمار الذي لحق بماريوبول وخاركيف وطالب بـ”تحقيق شامل ومساءلة”. نحن نوافقه الرأي تماما. سيتم التحقيق في تصرفات روسيا في ماريوبول بدقة، والأهم من ذلك هو أنها ستكون في نظر العالم رمزا للوحشية الروسية كما حلب وغروزني.
أعلن وزير الخارجية بلينكن قبل قليل أن الحكومة الأمريكية تعتقد أن أفرادا من القوات الروسية قد ارتكبوا جرائم حرب في أوكرانيا بناء على المعلومات المتاحة حاليا.
والعالم شاهد على ذاك.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز بالأمس مقاطع فيديو تظهر القوات الروسية في بلدة خيرسون وهي تطلق النار على المتظاهرين المدنيين. وعلمنا مؤخرا أن القصف الروسي قد أدى إلى مقتل أحد الناجين من المحرقة اليهودية يبلغ من العمر 96 عاما في خاركيف. وقد حذرت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا في الأيام الأخيرة من أن روسيا تخطط ربما لاستخدام أسلحة كيمياوية أو بيولوجية.
ويجب أن نذكر أننا نشهد تقارير مروعة عن الخسائر غير العادية التي تكبدتها القوات الغازية، بما في ذلك من الجنود المجندين الشباب. تسبب الرئيس بوتين في خلال حربه بظلم كبير ضد شعبه أيضا، ولا سيما الشباب الروس الذين أجبروا على التضحية بأرواحهم من أجل غروره وطموحه.
تسببت روسيا في شهر واحد في واحدة من أسرع الكوارث الإنسانية انتشارا في العالم. وتشير الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 10 ملايين شخص حتى الآن – حوالى ربع سكان أوكرانيا قبل الحرب – بسبب هذا الصراع. يحتاج 12 مليون شخص إلى المساعدات. ثمة 5,6 مليون طفل غير قادر على مواصلة الدراسة، مما يؤثر على جيل كامل من الأطفال الأوكرانيين. وقد طلبت الأمم المتحدة في الأيام القليلة الأولى من الحرب 1,7 مليار دولار لأوكرانيا والمنطقة، وفتحت دول الجوار حدودها لأكثر من 3,6 مليون لاجئ والعدد آخذ في الازدياد.
تعطل حرب روسيا على أوكرانيا توريد السلع الأساسية الضرورية للأمن الغذائي العالمي. ويهدد الارتفاع المتسارع في أسعار الغذاء ونقص الغذاء وما يقابله من انعدام الأمن بمزيد من زعزعة استقرار المجتمعات الهشة وزيادة الجوع ودفع الهجرة. ويأتي ذلك في وقت كان النظام الإنساني العالمي منهكا بالفعل أكثر من أي وقت مضى وفي وقت يقوم فيه برنامج الغذاء العالمي بإطعام أكثر من 138 مليون شخص في أكثر من 80 دولة.
يمثل اليوم لحظة مهمة ليقف العالم معا في مواجهة العنف غير المعقول الذي تسبب في خسائر إنسانية جسيمة. أمامنا قرار مقترح من أوكرانيا للاستجابة إلى هذه الكارثة الإنسانية. إنه نص تفاوضت عليه مجموعة متنوعة من الدول عبر الإقليمية وشاركت حوالى من 90 دولة عضو في رعايته. النص واضح، ويعيد التأكيد في عبارته الأولى على تصميم ميثاق الأمم المتحدة على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب.
يتمحور النص حول حماية كافة المدنيين، وبخاصة الأكثر ضعفا، ودعم البلدان المجاورة التي فتحت حدودها بسخاء أمام اللاجئين، والأهم من ذلك حول دعم عمل الأمم المتحدة وشركائها في المجال الإنساني المنقذ للحياة. ويطالب النص بحماية المدنيين الفارين من الصراع المسلح والعنف – بما في ذلك الرعايا الأجانب – بدون تمييز. ويطالب لهم بمرور طوعي وآمن وبدون عوائق.
يدعو القرار الجميع إلى التخفيف من تأثير الصراع على زيادة انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم، وبخاصة في البلدان الأقل نموا، إذ يواجه ملايين الأشخاص المجاعة أو خطر المجاعة المباشر في مختلف أنحاء العالم. لا يدعو القرار إلى تمويل الاستجابة الإنسانية التي تنسقها الأمم المتحدة في أوكرانيا وحولها فحسب، بل يعرب أيضا عن قلقه بشأن مشهد الاحتياجات الإنسانية العالمية برمته.
إن الامتناع عن التصويت في مواجهة الفظائع التي ترتكبها روسيا أمر غير مقبول. يجب تحميل روسيا المسؤولية عن الأزمة الإنسانية التي تتسبب بها، ولذلك، وبناء على قرار 2 آذار/مارس الذي لقي دعما من 141 عضوا في هذا المجلس، يطالب نص القرار هذا بإنهاء هذه الحرب ويوجه هذا النداء إلى الشخص الوحيد القادر على وقف العنف، ألا وهو فلاديمير بوتين.
تصوتون من خلال التصويت على هذا القرار لصالح إنهاء الحرب واحترام العاملين في المجالين الإنساني والطبي وحمايتهم ووصول المساعدات الإنسانية بدون عوائق. تصوتون لتسمحوا للمدنيين بالفرار بأمان من العنف، بما في ذلك العديد من مواطنيكم الذين يعملون ويعيشون ويدرسون في أوكرانيا.
تشيرون من خلال التصويت على هذا القرار إلى دعمكم للعمل البطولي للعاملين في المجال الإنساني الذين يقدمون المساعدة بطريقة محايدة، كما تبينون الدعم لنداء الأمم المتحدة العاجل لتمويل عملهم.
تثبتون من خلال التصويت لصالح هذا القرار أنكم تشهدون تأثير هذا الصراع على العالم بأسره وعلى بلدانكم من خلال تفاقم انعدام الأمن الغذائي، إذ أصبحت حقول أوكرانيا خالية والسفن المحملة بالحبوب راسية في الموانئ.
تختارون من خلال التصويت لصالح هذا القرار دعم احترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومبادئ السيادة وسلامة الأراضي وحظر استخدام القوة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
يجب أن نتحلى بالشجاعة لقول الحقيقة هنا. لم تظهر هذه الحرب من عدم. لم تكن هذه الأزمة الإنسانية كارثة طبيعية، بل من صنع الإنسان. يجب على أي دولة تريد بذل جهد جاد لمعالجة حالة الطوارئ الإنسانية في أوكرانيا أن تكون واضحة بشأن سبب هذه الحالة الطارئة. ويماثل عدم بذل جهود كافية السماح للمعتدي بإخفاء نفسه بلغة غامضة والادعاء لاحقا أنه كان يحاول المساعدة.
روسيا هي المسؤولة عن التحريض على هذه الحرب. وسيواصل العالم تحميل روسيا المسؤولية عما تفعله بشعب أوكرانيا.
شكرا جزيلا.