وزارة الخارجية الأمريكية
مكتب المتحدث الرسمي
للنشر الفوري
تصريحات
وزير الخارجية جون كيري
تصريحات حول سلام الشرق الأوسط
28 كانون الأول/ديسمبر 2016
قاعة دين أتشيسون – واشنطن العاصمة
الوزير كيري: شكرا جزيلا لكم. شكرا. (سعال) أرجو المعذرة. شكرا لصبركم. ولأولئك الذين يحتفلون بأعياد الميلاد، أتمنى أن تستمتعوا بعيد ميلاد رائع. عيد حانوكا سعيد. وللجميع هنا، أعرف أننا الآن في منتصف أسبوع عطلة. أفهم. (ضحك). لكنني أتمنى لكم جميعا عيد رأس سنة سعيد ومثمر .
اليوم، أريد أن أشاطركم أفكارا صريحة حول قضية شغلت حوارات السياسة الخارجية لعقود هنا وحول العالم — ألا وهي النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وقد كان الرئيس أوباما على طوال فترة إدارته ملتزم التزاما عميقا بإسرائيل وأمنها، وهذا الالتزام كان المرشد لسعيه من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط . هذه هي قضية، يعلم جميعكم، أنني عملت عليها بشكل مكثف خلال فترة عملي كوزير للخارجية لسبب واحد بسيط، وهو أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهو السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية تعيش بسلام وأمن مع جيرانها. وهو السبيل الوحيد لضمان حرية وكرامة الشعب الفلسطيني. وهو أمر هام لتعزيز مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وأود الآن أن أشرح لماذا هذا المستقبل في خطر، وأقدم بعض السياق لسبب عدم قدرتنا بضمير حي من الوقوف ضد قرار في الأمم المتحدة يوضح للجانبين أن عليهما التحرك الآن للحفاظ على فرص السلام قائمة.
أنا هنا لأشاطر قناعتي أن هناك لا يزال طريقا للمضي قدما إن كانت الأطراف راغبة في التحرك. وأود أن أشاطر اقتراحات عملية حول كيفية الحفاظ وتعزيز فرص تحقيق سلام عادل ودائم يستحقه كلا الجانبين.
فمن الضروري لنا أن ننخرط في حوار صريح وواضح حول الحقائق غير المريحة والخيارات الصعبة، لأن البديل هو الذي يتحرك بسرعة على الأرض هو ليس في مصلحة أي أحد — ليس في مصلحة الاسرائيليين ولا الفلسطينيين ولا المنطقة ولا حتى الولايات المتحدة.
وأريد هنا أن أشدد أن هناك نقطة مهمة هنا. عملي فوق كل شيء هو الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية في العمل على الوقوف وحماية مصالحنا وقيمنا في العالم. فإذا وقفنا مكتوفي الأيدي مع علمنا أن بعملنا ذلك فأننا نسمح بوقوع ديناميكية خطيرة تنذر بالمزيد من الصراع وعدم الاستقرار في منطقة في العالم لنا فيها مصالح حيوية، فأننا نتجاهل مسؤولياتنا الخاصة.
للأسف، يعتقد البعض أن صداقة الولايات المتحدة تعني أن نقبل بأي سياسة، بغض النظر عن مصالحنا ومواقفنا وتصريحاتنا ومبادئنا — حتى حين نحث المرة تلو الأخرى بضرورة تغيير تلك السياسة. والحقيقة هي أن الأصدقاء بحاجة إلى يخبروا بعضهم البعض بالحقائق الصعبة، والصداقة تتطلب الاحترام المتبادل.
ممثل إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة، الذي لا يدعم حل الدولتين، قال بعد التصويت في الأسبوع الفائت، “كنت أتوقع أن يتصرف أعظم صديق لإسرائيل بطريقة تتماشى مع القيم التي نتشاطرها” وأن ينقض القرار. وأنا مجبر اليوم بأن أرد بالقول أن الولايات المتحدة قامت بالفعل بالتصويت وفق ما تملي عليها قيمها، تماما كما فعلت الإدارات الأمريكية في مجلس الأمن قبلنا.
لقد فشلوا في إدراك أن هذا الصديق، الولايات المتحدة الأمريكية، قد فعل ما لم تفعله أي دولة أخري في دعم إسرائيل، وأن هذا الصديق الذي احبط جهودا لا تعد ولا تحصى لنزع الشرعية عن إسرائيل لا يمكن أن يبقى ملتزما بقيمه — وملتزما بالقيم الديمقراطية المعلنة لإسرائيل – ولا يمكن أن يدافع ويحمي إسرائيل بصورة صحيحة إذا سمح لحل الدولتين أن يُدمر أمام أعيننا.
وبيت القصيد هو أن التصويت في الأمم المتحدة كان لديمومة حل الدولتين. هذا ما كنا نقف من أجله: مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية تعيش بسلام وأمن جنبا إلى جنب مع جيرانها. هذا ما نحاول أن نحافظ عليه. من أجلنا ومن أجلهم.
وفي حقيقة الأمر، أن هذه الإدارة هي أكبر صديق ومؤيد لإسرائيل بالترام مطلق وثابت نحو تعزيز أمن إسرائيل وحماية شرعيتها.
وأريد أن أكون واضحا تمام الوضوح حول هذه النقطة. ما قدمته إدارة الرئيس أوباما لأمن إسرائيل لم تقدمه أي إدارة أمريكية أخرى. وقد نوه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنفسه بالتعاون العسكري والاستخباراتي “غير المسبوق.” فتماريننا العسكرية هي أكثر تقدما من أي وقت مضى. ومساعدتنا للقبة الحديدة حفظت أرواح إسرائيلية لا تحصى. وقد دعمنا باستمرار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بنفسها، بما في ذلك الأعمال في غزة التي أثارت جدلا كبيرا.
لقد أظهرنا مرارا وتكرارا أن نقف بجانب إسرائيل. فقد عارضنا بشدة العقوبات وسحب الاستثمارات وحركة العقوبات. وكلما وحيثما تعرضت شرعيتها للهجوم، قاتلنا من أجل إدخالها في منظومة الأمم المتحدة. ورفعنا من مساعداتنا المالية لدعم إسرائيل حتى في غمرة أزمتنا المالية وعجز الميزانية. وفي حقيقة الأمر فأن نصف تمويلنا العسكري الخارجي يذهب لإسرائيل. وفي خريف هذا العام، وقعنا مذكرة تفاهم تاريخية بقيمة 38 مليار دولار أمريكي تفوق أي مساعدة عسكرية قدمتها الولايات المتحدة لأي بلد على الإطلاق. ويستمر استثمار هذه المذكرة في تطوير دفاعات جوية متطورة والحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل للسنوات المقبلة. هذا هو مقياس دعمنا لإسرائيل .
هذا الالتزام بأمن إسرائيل هو إلتزام شخصي بالنسبة لي. فقد أسرني هذا البلد الخاص عند زيارتي لإسرائيل لأول مرة كسيناتور شاب في عام 1986. وقد أعجبت به على الفور وسرعان ما بدأت بعشقه. وعلى مر السنين، حالي حال آخرين كثر ممن ينجذبون إلى هذا المكان الاستثنائي، قمت بصعود جبل مسعدة وسبحت في البحر الميت وتنقلت من مدينة مقدسة إلى أخرى. وقد رأيت الجانب المظلم من مرافق تخزين صواريخ حزب الله عبر الحدود مع لبنان، وسرت عبر صور جحيم المحرقة في ياد فاشيم، ووقفت على مرتفعات الجولان وقدت طائرة إسرائيلية في المجال الجوي الصغير لإسرائيل، الذي من شأنه أن يجعل كل شخص يتفهم ضرورة الأمن لإسرائيل. ومن كل هذه التجارب جاء الالتزام الثابت بأمن إسرائيل ولم يتزعزع لدقيقة واحدة بالنسبة لي طوال سنواتي الـ 28 في مجلس الشيوخ وأعوامي الأربع كوزير خارجية.
وكثيرا ما زرت مجتمعات الضفة الغربية أيضا، حيث التقيت بالفلسطينيين الذين يكافحون من أجل أبسط صور الحرية والكرامة تحت الاحتلال. ومررت بنقاط التفتيش العسكرية التي يمكن أن تحول أبسط الرحلات الروتينية إلى العمل والمدرسة إلى محنة. واستمعت إلى قادة الأعمال الذين لم يستطيعوا الحصول على التصاريح التي يحتاجونها لإدخال منتجاتهم إلى الأسواق، والعوائل التي تكافح من أجل الحصول على تصريح مرور لتتمكن من السفر للحصول على العناية الطبية المطلوبة.
وقد شهدت بنفسي ويلات الصراع الذي استمر لفترة طويلة. رأيت الأطفال الإسرائيليين في سديروت ممن تعرضت ساحات لعبهم لهجمات بصواريخ الكاتيوشا. وزرت الملاجئ بجانب المدارس في كريات شمونة حيث ليس أمام الأطفال سوى 15 ثانية للدخول فيها بعد سماع صفارات الإنذار. ورأيت دمار الحرب في قطاع غزة، حيث تلعب الفتيات الفلسطينيات في عزبة عبد ربه وسط حطام بناية مقصوفة.
لا ينبغي أن للطفل – إسرائيلي أو فلسطيني -أن يعيش تحت ذلك.
لذلك على الرغم من الصعوبات الواضحة والبينة لي عندما أصبحت وزيرا للخارجية، عرفت أن عليّ أن أفعل كل ما في وسعي للمساعدة في إنهاء هذا النزاع. وكنت ممتنا للعمل بجانب الرئيس أوباما، الذي كان مستعدا لتحمل المخاطر من أجل السلام وكان ملتزما بشدة لهذا الجهد.
وكحال الإدارات الأمريكية السابقة، فقد كرسنا نفوذنا ومصادرنا لمحاولة حل النزاع العربي-الإسرائيلي لأن ذلك — أجل — يصب في خدمة المصالح الأمريكية لإحلال الاستقرار في تلك المنطقة المضطربة ويوفي بالتزامنا تجاه بقاء وأمن ورخاء إسرائيل تعيش في سلام مع جيرانها العرب.
وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلناها على مر السنين، فأن حل الدولتين الآن في خطر شديد.
والحقيقة هي أن الاتجاهات على الأرض – ومنها التوسع الاستيطاني والعنف والاحتلال الذي لا تبدو له نهاية — وهي في الواقع مجتمعة تدمر آمال السلام لكلا الجانبين وتدفع بشكل لا رجعة فيه نحو الدولة الواحدة التي لا يرغب أغلب الناس فيها.
واليوم، هناك عدد مماثل لليهود والفلسطينيين الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ولديهم الخيار. أما أن يعيشوا معا في دولة واحدة، أو ينفصلوا إلى دولتين. لكن هناك حقيقة أساسية: إذا كان الخيار هو دولة واحدة فأن إسرائيل يمكن أن تكون دولة يهودية أو دولة ديمقراطية – لكنها لا تستطيع جمع الاثنين معا — ولن تعيش أبدا في سلام. وعلاوة على ذلك، لن يدرك الفلسطينيين تماما طاقاتهم الكامنة في وطن خاص بهم في حل الدولة الواحدة.
الآن، الأغلبية من الجانبين تفهم هذا الخيار الأساسي، وهذا هو سبب أهمية إظهار استطلاعات الرأي للإسرائيليين والفلسطينيين في أن هناك دعما قويا لحل الدولتين – من الناحية النظرية. إلا أنهم لا يعتقدون بإمكانية حدوثه على الأرض.
فبعد عقود من الصراع، الكثير لم يعد يروا في الجانب الآخر بشرا وإنما مجرد أعداء ومصدر تهديد. ويوغل كلا الجانبين في الترويج لسرديات تتلاعب بمخاوف الناس وتعزز أسوأ الصور النمطية — بدلا من العمل على تغيير التصورات وبناء الاعتقاد في إمكانية تحقيق السلام.
والحقيقة هي الاستقطاب الغير اعتيادي في هذا الصراع يمتد إلى أبعد من الفلسطينيين والإسرائيليين. وحلفاء الجانبيين راضون بتعزيز عقلية “إما تكون معنا أو ضدنا”، حيث يوصم في كثير من الأحيان من يشكك في الأفعال الفلسطينية بأنه مدافعا عن الاحتلال، وكل من يختلف مع سياسة إسرائيل يصور على أنه معاد لإسرائيل وحتى معاد للسامية.
ومن بين الحقائق الرئيسية حول الوضع الحالي هي أن هذا القرار الحساس المتعلق بالمستقبل — أي خيار الدولة أو الدولتين — هو قرار يجري عمليا على الأرض يوميا، على الرغم من الرأي الذي أعرب عنه غالبية الناس.
الوضع الراهن يقود نحو دولة واحدة واحتلال دائم، لكن معظم الناس أما يتجاهلونه أو أنهم تخلوا عن الأمل في فعل شيء لإيقافه. ومع هذا الاستسلام السلبي فأن المشكلة تتفاقم والمخاطر تتعاظم والخيارات تتضاءل.
ما يفاقم هذا الشعور بالجزع بين الإسرائيليين هو العنف المستمر والهجمات الإرهابية ضد المدنيين والتحريض – التي تدمر الأمل في السلام.
دعوني أقولها مرة أخرى: ليس ولن يكون هناك مبررا للإرهاب على الإطلاق.
وقد شملت أحدث موجة من موجات العنف الفلسطيني المئات من الهجمات الإرهابية في السنة الماضية، بما في ذلك الطعن وإطلاق النار والهجمات والتفجيرات باستخدام المركبات، والكثير من الأشخاص تحولوا إلى التطرف عبر وسائل الإعلام الاجتماعي. إلا أن قتلة الابرياء مازالوا يتلقوا التمجيد على مواقع فتح، بما في ذلك إظهار المهاجمين إلى جانب القادة الفلسطينيين في أعقاب الهجمات. وعلى الرغم من تصريحات الرئيس عباس وقادة حزبه المناوئة للعنف، فهم غالبا ما يقومون بإرسال رسائل معاكسة بعدم إدانة الهجمات الإرهابية المحددة وتسمية الساحات العامة والشوارع والمدارس على أسماء الإرهابيين.
وقد أوضح الرئيس أوباما جليا للقادة الفلسطينيين في مرات لا تحصى علانية ولا انفراد أن التحريض على العنف لا بد أن يتوقف. كما كنا دوما ندين العنف والإرهاب، وحتى ندين القيادة الفلسطينية لعدم إظهارها الإدانة.
وفي أحيانا كثيرة جدا، يعمد الفلسطينيون إلى بذل الجهود من أجل نزع الشرعية عن إسرائيل في المحافل الدولية. وقد اعترضنا بشدة ضد هذه المبادرات، بما في ذلك قرار اليونسكو المحرض والغير متوازن على الإطلاق مؤخرا بشأن القدس. وقد أوضحنا جليا معارضتنا القوية للجهود الفلسطينية ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، التي تعرقل فرص السلام.
نحن ندرك جميعا أن السلطة الفلسطينية لديها الكثير لتفعله لتقوية مؤسساتها وتحسين سبل الحكم.
والأمر الأشد إثارة للقلق لنا هو استمرار حماس في أجندتها المتطرفة: فهم يرفضون القبول بحق إسرائيل الأساسي في الوجود. ولديهم تصورهم الخاص لدولة واحدة وهي أن كل الأرض هي فلسطينية. إن حماس والفصائل الراديكالية الأخرى تتحمل المسؤولية عن أكثر أشكال التحريض والعنف وضوحا، والكثير من الصور التي يستخدمونها هي مروعة حقا. وهم على استعداد لقتل الأبرياء وتعريض حياة الناس في غزة إلى الخطر من أجل تحقيق أجندتهم.
ومما يعقد ذلك هو أن الحالة الإنسانية في غزة المتفاقمة بسبب إغلاق المعابر هي في وضع حرج للغاية. فغزة هي واحدة من أكثر التجمعات الإنسانية كثافة في العالم التي يعاني الناس فيها من مصاعب جمة وتكاد تنعدم فيها الفرص. و1.3 مليون شخص من سكان غزة البالغ عددهم 1.8 نسمة هم بحاجة فعلية إلى المساعدات اليومية من غذاء ومأوى. والكثير منهم، ولا يتوفر لهم سوى أقل من نصف الإمدادات الكهربائية وخمسة بالمئة فقط من المياه الصالحة للشرب. بينما تستمر حماس والجماعات المتشددة الأخرى بإعادة التسلح وتحويل مواد إعادة الإعمار لبناء الأنفاق، ويهددون بالمزيد من الهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين بشكل لا يمكن لأي حكومة أن تتسامح معه.
ألا أننا في نفس الوقت علينا أن نكون واضحين حول ما يحصل في الضفة الغربية. رئيس الوزراء يدعم علانية حل الدولتين، غير أن ائتلافه الحالي هو الأكثر يمنية في تاريخ إسرائيل بأجندة مدفوعة من قبل أكثر العناصر تطرفا. والنتيجة هي أن سياسات هذه الحكومة، التي وصفها رئيس الوزراء شخصيا على أن “الأكثر التزاما بالمستوطنات في تاريخ إسرائيل” تسير بالاتجاه المعاكس. هذه السياسات تقود إلى دولة واحدة. وفي حقيقة الأمر أن إسرائيل قامت على نحو متزايد بتعزيز السيطرة على أكثر أجزاء الضفة الغربية لغاياتها الخاصة، وبشكل يعكس فعليا الانتقال إلى إدارة مدنية فلسطينية كبرى حسب ما نصت عليه اتفاقات أوسلو.
لا أعتقد أن أغلب الناس في إسرائيل، وبالتأكيد في العالم، لديهم أي فكرة حول كيف أصبحت العملية واسعة وممنهجة. لكن الحقائق تتحدث بذاتها. فقد ازداد عدد المستوطنين في المستوطنات الإسرائيلية التي تناهز 130 مستوطنة خارج حدود 1967 بشكل مطرد. وقد ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية وحدها بما في ذلك القدس بحوالي ,000270 نسمة منذ اتفاقية أوسلو، بما في ذلك,000 100 نسمة منذ عام 2009 فقط، عندما بدأ الرئيس أوباما ولايته الثانية.
ليست هناك جدوى في التظاهر أن تلك المستوطنات هي تجمعات كبيرة فحسب. فهناك90,000 مستوطنا يعيشون شرق خارج الجدار العازل الذي أنشأته إسرائيل بنفسها وسط أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية بحسب أي تعريف مقبول. وقد نما عدد السكان في هذه المستوطنات البعيدة بواقع20,000 نسمة منذ عام 2009. وفي واقع الأمر فأن الحكومة الإسرائيلية وافقت على إقامة مستوطنات كبيرة جديدة شرق الجدار أيضا في مساحة أقرب إلى الأردن من إسرائيل. فماذا عساك أن تقول للفلسطينيين على وجه الخصوص — وللولايات المتحدة والعالم — بشأن نوايا إسرائيل؟
دعوني أؤكد: هذا لا يعني أن المستوطنات هي السبب الرئيسي أو الكامل للنزاع. بالطبع، لا. ولا يمكننا أن نقول أن بزوالها فجأة سيكون لدينا سلام من دون اتفاق أوسع نطاقا. كلا. نحن نفهم أنه في اتفاق وضع نهائي، ستصبح بعض المستوطنات جزءا من إسرائيل لتأخذ بالحسبان التغيرات التي طرأت على مدى السنوات الـ 49 الأخيرة – نحن نفهم ذلك — بما في ذلك الحقائق الديموغرافية الجديدة الموجودة على الأرض. يجب أن تأخذ تلك الأمور بالحسبان. لكن إذا انتقل المستوطنون أكثر وأكثر إلى وسط المناطق الفلسطينية، فسيكون من الصعب الفصل بينها، ومن الصعب تخيل الكيفية التي يتم فيها نقل السيادة – وهذه هي بالتأكيد النتائج التي تتسارع على الأرض عن قصد.
لنكن واضحين: لا علاقة للمستوطنات بأمن إسرائيل. لا بل أن العديد من المستوطنات هو في الحقيقة يزيد من الأعباء الأمنية على كاهل قوات الدفاع الإسرائيلية. وقادة حركة المستوطنات هم أناس تحركهم الدوافع الأيديولوجية التي تتجاهل بالكامل التطلعات الفلسطينية المشروعة.
أحد أكثر الأمثلة إثارة للقلق في هذه النقطة هو انتشار البؤر الاستيطانية الغير قانونية بموجب القوانين الإسرائيلية وهي عادة ما تكون على أراضي فلسطينية خاصة في مواقع إستراتيجية تجعل حل الدولتين مستحيلا. وهناك أكثر من 100 بؤرة استيطانية. ومنذ عام 2011، تم إجازة ما يقرب من ثلث هذه البؤر على الرغم من تعهدات الحكومات الإسرائيلية السابقة بإزالة العديد منها.
والآن يتقدم قادة الحركة الاستيطانية بتشريع جديد غير مسبوق يمنح الشرعية لتلك البؤر الاستيطانية. ومن شأن هذا التشريع أن يطبق للمرة الأولى القانون المدني الإسرائيلي على الضفة الغربية بدلا من القانون العسكري، وهي خطوة رئيسية في عملية الضم. وعندما تم تمرير القراءة الأولى في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، قال أحد كبار المؤيدين للتشريع مفاخرا، وهنا أقتبس “اليوم تحرك الكنيست الإسرائيلي من التوجه نحو إقامة دولة فلسطينية إلى التوجه نحو تحقيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة.” وحتى المدعي العام الإسرائيلي صرح بعدم دستورية التشريع ومخالفته للقانون الدولي.
الآن قد تسمعون من دعاة الاستيطان أن المستوطنات هي ليست عقبة في طريق السلام لأن بإمكان المستوطنين الغير راغبين في المغادرة البقاء في فلسطين، كما هو الحال مع العرب الإسرائيليين الذين يعيشون في إسرائيل. لكن هذا الطرح يفتقد نقطة حرجة يا أصدقاء، وهي أن العرب الإسرائيليين هم من مواطني إسرائيل ويخضعون للقانون الإسرائيلي. هل من أحد هنا يعتقد حقا أن المستوطنين سيقبلون بالخضوع للقانون الفلسطيني في فلسطين؟
وبالمثل، يجادل بعض مناصري المستوطنات أن المستوطنين بإمكانهم البقاء في مستوطناتهم والاستمرار في كونهم مواطنين إسرائيليين في مناطق منفصلة وسط فلسطين محمية من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية. حسنا، هناك أكثر من 80 مستوطنة شرق جدار العزل، والكثير منها يقع في أماكن تجعل من إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا أمرا مستحيلا. هل من أحد يفكر جديا بدولة فلسطينية قابلة للحياة مع استمرار هؤلاء المستوطنين في العيش في أماكنهم؟
قد يسأل البعض الآن: “لماذا لا يمكننا البناء في الوحدات الإسكانية التي يعلم الجميع أنها ستكون بنهاية المطاف جزءا من إسرائيل؟” حسنا، السبب للمعارضة التي يولدها البناء هناك وهناك في الضفة الغربية هو أن القرار فيما يخص ما يعرف الوحدة الإسكانية هو قرار يتخذ أحاديا من قبل حكومة إسرائيل من دون استشارة أو موافقة الفلسطينيين ومن دون منح الفلسطينيين حق متبادل في البناء في في سيكون، في معظم الحسابات، جزءا من فلسطين. خلاصة القول – من دون اتفاق أو موافقة متبادلة، فإن الخيارات الأحادية تصبح نقطة خلافية كبرى، وهذا هو جزء من سبب أننا نقف حيث نقف اليوم.
قد تسمعون أن المستوطنات النائية ليست مشكلة لأنها تأخذ فقط نسبة مئوية صغيرة جدا من الأرض. حسنا، لقد أوضحنا مرارا وتكرارا أن الأمر ليس مجرد مسألة مساحة الارض الكلية الموجودة في الضفة الغربية — وإنما هي مسألة ما إذا كانت الأرض يمكن أن تكون مترابطة أو مجزأة إلى قطع صغيرة، كالجبنة السويسرية، لا يمكن أن تشكل أبدا دولة حقيقية. وكلما تم بناء المزيد من البؤر الاستيطانية، كلما توسعت المستوطنات أكثر وأصبح من الصعب خلق دولة متواصلة. وفي نهاية الأمر، المشكلة لا تتمثل في الأرض التي تقام عليها المستوطنة فحسب، بل أيضا كيف للموقع أن يؤثر على حركة الناس، وكيف تؤثر على ترابط الطرق، وماذا تحدثه للشعور بالدولة الذي يتراجع مع كل بناء جديد لمستوطنة. لا أحد يفكر جديا في السلام يستطيع أن يتجاهل الخطر الذي تمثله المستوطنات على السلام على أرض الواقع.
لكن المشكلة كما هو واضح هي أكثر بكثير من المستوطنات. حيث تشير الاتجاهات إلى جهد شامل للاستحواذ على الضفة الغربية من قبل إسرائيل ومنع أي بناء فلسطيني فيها. واليوم، أكثر من 60 بالمئة من الضفة الغربية تعرف بالمنطقة (ج) — كان من المفترض أن ينقل القسم الكبير منها إلى السيطرة الفلسطينية منذ فترة طويلة بحسب اتفاقات أوسلو — ويحظر في الكثير منها عمليا البناء الفلسطيني. وقد خصص اليوم الكثير منها بشكل الأساسي للاستخدام الحصري الإسرائيلي عن طريق تسميتها أحاديا “أراضي دولة” بساطة، أو بإلحاقها ضمن اختصاص مجالس المستوطنات الإقليمية. وتزدهر المزارع الإسرائيلية في وادي نهر الأردن وتتواجد المنتجعات الإسرائيلية على دول شواطئ البحر الميت — والكثير من الناس لا يدركون هذا — أنه تم تخصيص شواطئ البحر الميت كمنطقة يحظر فيها التنمية الفلسطينية. وفي حقيقة الأمر، لم تتم الموافقة على أي بناء فلسطيني في المنطقة (ج) على الإطلا. ولم يصدر سوى تصريح واحد من الحكومة الإسرائيلية خلال عامي 2014 و2015، بينما تمت الموافقة على إقامة المئات من الوحدات الاستيطانية خلال الفترة نفسها.
علاوة على ذلك، فأن الأبنية الفلسطينية في المنطقة (ج) التي ليس لها تصريح بناء من الجيش الإسرائيلي تكون عرضة للهدم. ويجري الآن هدمها بمعدل مرتفع تاريخيا. وجرى تهجير أكثر من 1،300 فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 600 طفل، نتيجة لعمليات الهدم في 2016 وحده — أكثر من أي عام مضى.
وهكذا فأن أجندة المستوطنين هي التي ترسم معالم إسرائيل. وهدفهم المعلن هو واضح. إنهم يؤمنون بدولة واحدة. وفي حقيقة الأمر، فإن أحد الوزراء البارزين الذي يرأس حزب مناصر للاستيطان، أعلن بعد الانتخابات الأمريكية — وأنا أقتبس – “إن مرحلة حل الدولتين قد انتهت”. كما يرفض الكثير من وزراء الائتلاف الآخرين علانية دولة فلسطينية. وهم يسيرون الأمور حسب ما يريدون بشكل متصاعد بخطط للمئات من الوحدات الجديدة في القدس الشرقية أعلن عنها مؤخرا، وكلام عن مشروع استيطاني كبير في الضفة الغربية.
إذن، لماذا نحن قلقون إلى هذا الحد؟ لماذا يهمنا هذا الموضوع؟ حسنا، اسألوا انفسكم: ماذا سيحدث لو حققت هذه الأجندة مآربها؟ إلى أين ستقود؟
يوجد حاليا حوالي 2.75 مليون فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال العسكري في الضفة الغربية، ومعظمهم في المنطقتين (أ) و(ب) – بما يمثل 40% من مساحة الضفة الغربية — حيث يتمتعون بحكم ذاتي محدود. وهم مقيدون في حركتهم اليومية بشبكة من نقاط التفتيش، وغير قادرين على السفر من وإلى الضفة الغربية من دون تصريح إسرائيلي.
إذن، إذا كانت هناك دولة واحدة، فأن هناك ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون بشكل دائم في جيوب معزولة في وسط الضفة الغربية بدون حقوق سياسية حقيقية وأنظمة منعزلة للعدالة والتعليم والنقل وتفاوت واسع في الدخل، تحت احتلال عسكري دائم يحرمهم من أبسط الحقوق الأساسية – منعزلين وغير متساويين وهذا هو ما لديك. لا أحد يستطيع أن يشرح كيف يحدث ذلك. هل سيتقبل الإسرائيلي العيش بهذه الوضعية؟ هل يرتضيها العالم لنفسه؟
إذا أصبح الاحتلال حال دائمة، فببساطة قد تضمحل السلطة الفلسطينية بمرور الوقت وتنقل كل المسؤوليات الإدارية والأمنية إلى الإسرائيليين؟ ماذا سيحدث عندها؟ من سيدير المدارس والمستشفيات وعلى أي أساس؟ هل تريد أن تدفع إسرائيل مليارات الدولارات لتعويض المساعدة الدولية المفقودة التي تتسلمها السلطة الفلسطينية؟ هل ستتولى قوات الدفاع الإسرائيلية مسؤولية الأمن في مدينة وبلدة فلسطينية؟
كيف ستسجيب إسرائيل إلى حركة الحقوق المدنية الفلسطينية الناشئة المطالبة بحق التصويت والتي قد تتحول إلى مظاهرات واضطرابات عارمة في الضفة الغربية؟ كيف ستلائم إسرائيل بين احتلال دائم وبين قيمها الديمقراطية؟ كيف تستمر الولايات المتحدة في الدفاع عن ذلك وتبقى صادقة لقيمها الديمقراطية؟
لم يقدم أحد أبدا أجوبة شافية لهذه الأسئلة لأنه ليس هناك أي أجوبة. وهناك خطورة متزايدة لأعمال عنف أكثر حدة بين الفلسطينيين والمستوطنين، ويأس تام بين الفلسطينيين من شأنه أن يخلق تربة خصبة للمتطرفين.
ومع كل الأخطار الخارجية التي تواجهها إسرائيل اليوم، التي ندركها جيدا ونعمل معهم على معالجتها، هل تريد إسرائيل حقا أن تزيد حدة الصراع في الضفة الغربية؟ كيف يمكن أن يساعد ذلك أمن إسرائيل؟ كيف يمكن أن يساعد ذلك المنطقة؟
الإجابة هي أن هذا التصعيد لن يساعد في شيء، وهذا بالضبط هو سبب إيمان عدد كبيرة جدا من قادة إسرائيل في المجال العسكري والاستخباراتي بحل الدولتين بكون الجواب الحقيقي الوحيد لأمن إسرائيل على المدى الطويل.
الشيء الذي نعرفه الآن هو: إذا مضت إسرائيل في طريق الدولة الواحدة، فلن تحصل على سلام حقيقي مع باقي العالم العربي، وأقول ذلك بكل يقين. الدول العربية أوضحت جليا أنها لم تعقد السلام مع إسرائيل من دون حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي — فهذا لا ينسجم مع ولاءاتهم وسياساتهم.
ولكن هناك شيء جديد هنا. خلقت المصالح المشتركة لمواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار ومحاربة المتطرفين وكذلك تنويع الاقتصادات إمكانيات حقيقية لشيء مختلف إذا ما اغتنمت إسرائيل الفرصة للسلام. وقد أمضيت الكثير من الوقت مع زعماء عرب بارزين لاستكشاف هذا، وما من شك أنهم على استعداد أن يكون لهم علاقات مختلفة جوهرية مع إٍسرائيل. وهذا مصرح به في مبادرة السلام العربية المطروحة منذ سنين. وتم التأكيد عليه في جميع حواراتي الأخيرة في إطار عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وليس فقط لتطبيع العلاقات ولكن للعمل علنيا على تأمين السلام والتعاون الأمني الكبيرة أيضا. وهي هناك وتنتظر.
وقد أبدى الكثير منهم عن استعدادهم لدعم المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية واتخاذ الخطوات على طريق تطبيع العلاقات – بما في ذلك اللقاءات العامة — على شرط وجود تقدم ملموس نحو حل الدولتين. وهذه هي يا أصدقاء فرصة حقيقية لا ينبغي تفويتها.
وهذا يثير سؤال أخير: هل جيلنا هو الجيل الذي سيتخلى عن حلم دولة إسرائيلية ديمقراطية يهودية تعيش بسلام وأمن مع جيرانها؟ لأن هذا حقا ما هو على المحك؟
وهذا هو أساس تصويتنا في مجلس الأمن في الأسبوع الفائت — الحاجة إلى حماية حل الدولتين — وعلى الجانبين في هذا الصراع تحمل المسؤولية فعل ذلك. ونحن أكدنا مرارا وتكرارا وبشكل قاطع للفلسطينيين أن جميع أشكال العنف والتحريض لابد أن تتوقف. كما وندين باستمرار كل أشكال العنف والإرهاب. وقد عارضنا بشدة الجهود الأحادية الجانب لنزع شرعية إسرائيل في المحافل الدولية.
وقد قمنا بحث الإسرائيليين مرات لا تحصى علنيا وفرديا لإيقاف مسيرة المستوطنات. وأوضحت جليا في مئات المحادثات حرفيا مع رئيس الوزراء نتنياهو أن النشاط الاستيطاني المستمر من شأنه أن يزيد الضغط لرد دولي. فقد كنا نعرف أن الفلسطينيين عازمون على المضي قدما في قرار حول المستوطنات، ونصحت رئيس الوزراء بشكل متكرر أن المزيد من النشاط الاستيطاني سيستدعي تدخل الأمم المتحدة.
إلا أن النشاط الاستيطاني استمر في التزايد — بما في ذلك، التقدم بمشروع قانون غير مسبوق يشرع البؤر الاستيطانية التي حذر رئيس الوزراء شخصيا أنها قد تعرض إسرائيل لتحرك في مجلس الأمن وحتى للمساءلة الدولية قبل أن يقرر تأييدها.
وفي النهاية، لا يسمح ضميرنا بحماية العناصر الأكثر تطرفا في حركة الاستيطان وهي تحاول تدمير حل الدولتين. ولا يسمح ضميرنا أن نغض الطرف أن الأعمال الفلسطينية التي تؤجج الكراهية والعنف. وليس في مصلحة الولايات المتحدة لمساعدة أي أحد أو أي طرف لخلق دولة واحدة. قد لا تكون لنا القدرة على إيقافهم، ولكن لا يمكن أن يتوقع منا أن نحميهم. وبكل تأكيد ليس هناك أي بلد يصوت بالضد من سياساته.
ولهذا السبب قررنا عدم عرقلة القرار الذي يوضح لكلا الجانبين أن عليهما اتخاذ خطوات لإنقاذ حل الدولتين ما زال هناك متسع من الوقت. لم يكن هذا بالقرار الهين. فقط دافعت دوما إدارة أوباما عن إسرائيل ضد أي جهد في الأمم المتحدة أو في المحافل الدولية، وضد كل قرار متحيز أو أحادي يسعى إلى تقويض شرعية وأمن إسرائيل. لم يطرأ عليها تبديل، ولن تتغير بهذا التصويت.
لكن تذكروا أن المهم الإشارة إلى كل إدارة أمريكية، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، عارضت الاستيطان كأمر مخالف لآفاق السلام، وتحركنا في مجلس الأمن هو أبعد من يكون سابقة. في الواقع، لقد سمحت الإدارات السابقة من كلا الحزبين السياسيين بتمرير قرارات تنتقد إسرائيل، بما في قرارات حول المستوطنات، في عشرات المناسبات. وتحت إدارة الرئيس جورج بوش وحدها، أصدر مجلس الأمن ستة قرارات اعترضت عليها إٍسرائيل – ومن ضمنها قرار يؤيد خطة تدعو للتجميد الكامل للمستوطنات بما في ذلك النمو الطبيعي.
اسمحوا لي أن أقرأ الفقرة الرئيسية من خبر في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 23 كانون الأول، وأقتبس: “مع امتناع الولايات المتحدة، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا اليوم يستنكر بشدة تعامل إسرائيل مع الاضطرابات في الأراضي المحتلة، التي يعرفها القرار، بما في ذلك القدس. وقد صوت كل أعضاء مجلس الأمن الأربعة عشر في صالح القرار.” أصدقائي، لم تكتب هذه القصة في الأسبوع الفائت. وإنما كُتبت بتاريخ 23 كانون الأول من عام 1987، قبل 26 عاما من تصويتنا في الأسبوع السابق عندما كان رونالد ريغان رئيسا.
لكن على الرغم من الضغوط المتزايدة، اتخذت إدارة الرئيس أوباما موقفا قويا ضد التحركات في الأمم المتحدة، أيا كانت. فقد كنا الإدارة الوحيدة منذ عام 1967 التي لم تسمح بتمرير أي قرار ضد إسرائيل. وفي حقيقة الأمر، فأن المرة الوحيدة التي مارست فيها إدارة أوباما حق النقض في الأمم المتحدة كانت ضد قرار أحادي الجانب ضد المستوطنات في عام 2011. وذلك القرار لم يأتي على ذكر التحريض والعنف.
الآن دعونا ننظر إلى ما حدث من ذلك الحين. تم الدفع بأكثر من 30،000 وحدة استيطانية إلى مرحلة ما من مراحل التخطيط. هذا صحيح، تم الدفع بأكثر من 30،000 وحدة استيطانية بالرغم من موقف الولايات المتحدة والدول الأخرى المعارض. ولو استخدامنا لحق النقض ضد هذا القرار في ذلك اليوم، كان ذلك سيعني أن الولايات المتحدة تعطي الحرية لبناء المزيد من المستوطنات بدون قيود وهذا ما نعارضه بشكل أساسي.
نحن نرفض الانتقادات التي تقول أن تصويتنا هو بمثابة تخل عن إسرائيل. على العكس، ليس هذا القرار هو من يعزل إسرائيل — وإنما من يعزل إسرائيل هو سياسة البناء الدائم للمستوطنات التي تهدد بجعل السلام مستحيلا. وكل بلد في العالم تقريبا ما عدا إسرائيل يعارض المستوطنات. وهذا يشمل العديد من أصدقاء إسرائيل — بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا — وجميعهم صوتوا في صالح قرار المستوطنات في عام 2011 ومرة أخرى هذا العام، جنبا إلى جنب مع جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين.
في الواقع، أن هذا القرار يؤكد التصريحات التي صرح بها مجلس الأمن هو قانونية المستوطنات على مدى عدة عقود. ولم يأت بجديد. ففي عام 1978، نصح المستشار القانوني في وزارة الخارجية الكونغرس باستنتاجه أن الحكومة الإسرائيلية والبرنامج الإسرائيلي الحكومي لإنشاء مستوطنات مدنية على الأراضي المحتلة هو مخالف للقانون الدولية. ونحن لا نرى أي تغيير منذ ذلك الحين يؤثر على ذلك الاستنتاج الأساسي.
الآن، قد أتى على مسامعكم أن البعض ينتقد هذا القرار لتسميته القدس الشرقية كمنطقة محتلة. لكي نكون واضحين، لا جديد في ذلك إطلاقا بشأن هذه النقطة. هذه هي إحدى المواقف الثابتة في قرارات مجلس التي تتضمن أن القدس الشرقية هي جزء من الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967، وهذا يتضمن القرارات التي تبناها مجلس الأمن في عهدي الرئيس ريغان وجورج دبليو بو. تذكروا أن كل إدارة أمريكية منذ 1967، جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي، قد اعترفت أن القدس الشرقية هي من ضمن الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة.
دعوني الآن أشدد على هذه النقطة. نحن نحترم تماما الروابط التاريخية والدينية العميقة لإسرائيل في المدينة (القدس) ومواقعها الدينية. وهذا القرار لا يفرض بأي حال من الأحوال نتيجة مسبقة على الوضع النهائي للمفاوضات في القدس الشرقية، والتي يجب أن تراعي بالطبع تلك العلاقات التاريخية والحقائق على أرض الواقع. هذا هو موقفنا، وما نزال ندعمه.
نحن نرفض بشدة التصور القائل أن الولايات المتحدة هي بطريقة ما القوة الدافعة وراء هذا القرار. فقد أوضح المصريون والفلسطينيون لنا جميعا منذ وقت طويل — ولكل المجتمع الدولي — عن نيتهم تقديم هذا القرار للتصويت قبل نهاية هذا العام. وقد أبلغنا الإسرائيليين بذلك وهم كانوا على دراية مسبقة به. ولم تقم الولايات المتحدة بصياغة هذا القرار ولم تقدمه. وقد تمت صياغته وتقديمه على ما أعتقد من قبل مصر، التي هي واحدة من أقرب أصدقاء إسرائيل في المنطقة، بالتنسيق مع الفلسطينيين وآخرين.
وقد بينا للآخرين خلال فترة عملية إصدار القرار، بما في ذلك من في مجلس الأمن، أنه حتى يكون القرار متوازنا، فينبغي أن يتضمن إشارة إلى التحريض والإرهاب حتى لا تعيقه الولايات المتحدة بما يجعله أكثر اتزانا وانصافا. وهذا إجراء متبع في كل قرارات مجلس الأمن. وقد فهم المصريين والفلسطينيين وغيرهم أنه إذا كان النص أكثر توازنا، فمن الممكن لنا أن لا نعيقه. وقد أوضحنا جليا أيضا في كل محادثة أن الرئيس لن يتخذ القرار النهائي حول موقفنا حتى نرى النص النهائي.
وفي النهاية، لم نتفق مع كل كلمة وردت في هذا القرار. فهناك كانت أمور مهمة لم يعالجها القرار ولم يتطرق إليها على الإطلاق. إلا أننا لا يمكن أن ننقض بضمير حي قرار يدين العنف والتحريض ويعيد التأكيد على ما كان لفترة طويلة يمثل الإجماع الدولي حول التسوية ويدعو الأطراف على البدء في اتخاذ خطوات بناءة لدفع حل الدولتين على أرض الواقع.
وسيكون الأمر في نهاية المطاف متروك للشعب الإسرائيلي أن يقرر إذا كانت الهجمات الساخنة الغير معهودة التي وجهها مسؤولين إسرائيليين لهذه الإدارة التي قدمت أفضل خدمة لمصالح إسرائيل الوطنية وكذلك علاقتها مع حليف ظل صامدا في دعمه، كما وصفت. وأن تلك الهجمات، إلى جانب المزاعم بمؤامرة تقودها الولايات المتحدة وغيرها من الادعاءات المفتعلة، والتي تحرف الانتباه عن الجوهر الفعلي لهذا التصويت.
نحن جميعا ندرك أن إسرائيل تواجه تهديدات خطيرة للغاية في منطقة صعبة جدا. وأن الإسرائيليين قلقون بشأن التأكد من عدم وجود ملاذ جديد للإرهابيين في الجوار، ودائما يشيرون لما حدث مع غزة، ونحن نفهم ذلك ونعتقد أن هناك طرق لسد هذه الاحتياجات الأمنية. كما أن الإسرائيليين محقين تماما في شجب محاولات نزع الشرعية عن دولتهم والتشكيك في حق الدولة اليهودية في الوجود. ولكن هذا التصويت لم يكن عن ذلك الموضوع. وإنما كان يخص الإجراءات التي يتخذها الإسرائيليين والفلسطينيين على نحو متزايد مما يجعل حل الدولتين أمرا مستحيلا. ولم يكن الأمر بخصوص صنع السلام مع الفلسطينيين في الوقت الحاضر – وإنما كان بخصوص التأكد من أن عقد السلام مع الفلسطينيين سيكون ممكنا في المستقبل.
نحن جميعا ندرك أن إسرائيل تواجه تهديدات استثنائية وخطيرة للغاية في جوار صعب جدا. وأن الإسرائيليين هم على صواب فعلا بشأن التأكد من عدم وجود ملاذ جديد للإرهابيين على حدودهم.
لكن هذا التصويت – ولا أستطيع التأكيد أكثر – هو ليس حول إمكانية الوصول إلى اتفاقية تحل ذلك بين ليلة وضحاها أو بعد عام أو اثنين. إنها تتعلق بعملية طويلة. وتتمحور حول كيفية تحقيق السلام مع الفلسطينيين في المستقبل وكيفية الحفاظ على الفرص الممكنة لفعل ذلك.
إذن، كيف نصل إلى هناك؟ كيف نصل إلى ذلك السلام؟
بما أن الأطراف لم تتمكن من استئناف المحادثات، فأن الولايات المتحدة واللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط قد كررت المطالبة من الجانبين لإظهار بشكل مستقل التزام صادق لحل الدولتين — وليس فقط بالكلمات، بل أيضا بالافعال والسياسات الحقيقة – من أجل خلق الظروف لمفاوضات مجدية.
وقد طالبنا من الجانبين لاتخاذ خطوات كبيرة على الأرض لعكس الاتجاهات الحالية وارسال رسالة مغايرة — وواضحة — بأنهما مستعدان لتغيير جذري للمعادلة من دون الانتظار للجانب الآخر للتحرك.
وقد مارسنا الضغط عليهما للامتثال إلى أبسط الالتزامات تحت الاتفاقات السابقة في سبيل خلق حقيقة دولتين على الأرض.
وقد طلبنا من الفلسطينيين بذل كل ما في وسعهم لوقف العنف والتحريض، بما في ذلك تقديم الإدانة الثابتة والعلنية لأعمال الإرهاب ووقف تمجيد العنف.
كما طالبنا منهم مواصلة الجهود لتقوية مؤسساتهم وتحسين أساليب الحكم والشفافية والمساءلة.
وشددنا على أن تعزيزات حماس العسكرية وأنشطة المتشددين في غزة يجب أن تتوقف.
كما طالبنا من إسرائيل جنبا إلى جنب مع شركائنا في اللجنة الرباعية لإنهاء سياسة بناء وتوسيع المستوطنات، والاستيلاء على الأراضي للاستخدام الإسرائيلي الحصري وحرمان البناء الفلسطيني.
ومن أجل العملية عكس الحاصلة على الأرض، فقد قامت الولايات المتحدة وشركائها بتشجيع إسرائيل على استئناف نقل المزيد من الصلاحيات المدنية إلى السلطة الفلسطينية في المنطقة (ج)، بما يتماشى مع الانتقال الذي نصت عليها اتفاقات اوسلو. وقد أوضحنا جليا أن تقدما كبيرا من الممكن أن يحرز في الكثير من القطاعات، بما في ذلك الإسكان والزراعة والموارد الطبيعية من دون الإضرار احتياجات إسرائيل الأمنية المشروعة. وطالبنا بتخفيف كبير للقيود على الحركة والدخول من وإلى قطاع غزة، مع الاخذ بالاعتبار حاجة إسرائيل للدفاع عن مواطنيها من الهجمات الإرهابية.
لذا دعوني أشدد هنا مجددا: لا شيء من الخطوات التي تحدثت عنها قد تضر بأمن إسرائيل.
دعوني أن أؤكد أيضا أن هذا لا يتعلق بعرض تدابير اقتصادية محدودة لإدامة الوضع الراهن. نحن نتحدث عن خطوات هامة من شأنها أن ترسل إشارة حقيقية للتقدم نحو حل الدولتين.
هذه هي الخلاصة: إذا كنا جادين بشأن حل الدولتين، فأن الوقت حان لتنفيذه الآن. تحقيق التقدم بعملية الانفصال يمكن بشكل جدي أن يحدث فارقا كبيرا في إنقاذ حل الدولتين وبناء الثقة بين مواطني الجانبين في أن السلام ممكن. وممكن إحراز تقدم كبير في المفاوضات التي يمكن أن ترسى الأساس للمفاوضات، كما هو منصوص عليه في عملية أوسلو. وفي الحقيقة، ستساعد هذه الخطوات ستساعد في خلق الظروف لمفاوضات ناجحة.
في النهاية نحن نفهم أن اتفاقية الوضع النهائي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين. وقلنا ذلك مرارا وتكرارا. نحن لا يمكن أن نفرض السلام.
وهناك بلدان أخرى في الأمم المتحدة تعتقد أن من واجبها أن تملي شروط الحل في مجلس الأمن. وهناك آخرون يريدون من ببساطة أن نعترف بدولة فلسطينية بدون الوصول إلى اتفاق. لكنني أريد أن أكون واضحا اليوم أن هذه هي ليست الخيارات التي سنتخذها.
نحن نختار بدلا عن ذلك في الاعتماد على تجارب السنة الثمانية الأخيرة لنتقدم بطريقة إلى الأمام حين تكون الأطراف مستعدة لمفاوضات جادة. ففي مكان تغلب فيه سرديات الماضي بقوة وتشكل الحاضر، من المهم فهم التاريخ. ونحن نحيي هذا العام والعام الذي يليه بسلسلة من معالم الطريق الفارقة في تاريخ هذا الصراع التي أعتقد أنها تبين خلفية جانبي من الصراع وتشكل أساسا للحل. ومن الجدير المرور بها سريعا.
قبل مائة وعشرين سنة انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل من قبل مجموعة من أصحاب الرؤى اليهود، الذين قرروا أن الرد الوحيد الفعال ضد الموجات المرعبة المعادية للسامية التي تجتاح أوروبا هي إنشاء دولة في الوطن التاريخي للشعب اليهودي الذي تعود فيه روابطها إلى قرون طويلة — دولة يمكن أن تدافع عن حدودها وتحمي شعبها وتعيش بسلام مع جيرانها. تلك هي كانت الرؤية. وتلك هي كانت البداية الحديثة، وهي تبقى حلم إسرائيل إلى يومنا هذا.
ومنذ ما يقرب من 70 سنة الآن، مهد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 181 الطريق اخيرا لجعل دولة إسرائيل حقيقة واقعة. والفكرة كانت بسيطة: وهي لإقامة دولتين للشعبين – واحدة يهودية وواحدة عربية — لتحقيق التطلعات الوطنية لليهود والفلسطينيين. والآن يشير كلا الجانبين إلى القرار 181 في إعلان الاستقلال الخاص بهما.
وقد اعترفت الولايات المتحدة بإسرائيل بعد سبعة دقائق من إنشائها. بيد أن الفلسطينيين والعرب لم يفعلوا ذلك، وكان على إسرائيل منذ ولادتها القتال من أجل حقها في الحياة. كما عانى الفلسطينيون بشكل مريع في حرب 1948، بما في ذلك العديد الذين عاشوا جيلا بعد جيلا في أرض كانت أيضا موطنهم لزمن طويل. وحين احتفلت إسرائيل بالذكرى السبعين لتأسيسها في عام 2008، أحيا الفلسطينيون ذكرى مختلفة تماما: 70 سنة على ما يطلقون عليه بالنكبة، أو الكارثة.
سيكون العام المقبل مناسبة أيضا لإحياء 50 عاما منذ نهاية حرب الأيام الستة، عندما قاتلت إسرائيل مجددا من أجل بقائها. بينما سيحي الفلسطينيين مناسبة مختلفة تماما عن ذلك: 50 عاما من الاحتلال العسكري. لقد قبل كلا الجانبين بقرار مجلس الأمن الدولي المرقم 242، الذي يطالب بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 مقابل السلام والحدود الآمنة، كأساس لإنهاء النزاع.
لقد مضى أكثر من 20 عاما منذ أن وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أول اتفاقاتها — اتفاقات اوسلو — وفيها اعترفت منظمة التحرير رسميا بإسرائيل، والتزم كلا الجانبين بخطة لنقل معظم الضفة الغربية وغزة إلى السيطرة الفلسطينية ضمن مفاوضات للوصول إلى الوضع النهائي الذي من شأنه أن يضع نهاية لهذا الصراع. لكن للأسف لم يتم إنجاز الانتقال ولا اتفاق الوضع النهائي، وكلا الجانبين يتحملان المسؤولية عن ذلك.
وأخيرا، وقبل نحو 15 عاما، جاء الملك عبدالله عاهل المملكة العربية السعودية بمبادرة سلام عربية تاريخية، عرضت تطبيع العلاقات الكامل مع إسرائيل عندما تحقق السلام – وكانت وما زالت فرصة جبارة، لكن لم يجري تبنيها بشكل كامل لحد الآن.
كان هذا التاريخ حاسما في نهجنا لمحاولة إيجاد طريقة لحل النزاع. وبناء على تجربتي في الأربعة سنوات الماضية، بما في ذلك تسعة أشهر من المفاوضات الرسمية، فأن القضايا الجوهرية يمكن أن تحل إن كانت هناك قيادة من الجانبين ملتزمة بالعثور على حل.
وفي النهاية، أعتقد أن المفاوضات لم تفشل لكون الفجوات واسعة جدا، لكنها فشلت لأن مستوى الثقة منخفض جدا. حيث كان أن كلا الجانبين كانا يشعران بالقلق من التنازلات لن تكون متبادلة، وأنها ستأتي على حساب كلفة سياسية باهظة. وقد صعب هذا التشكيك العلني العميق من قضية تحمل المخاطر.
وعلى طوال الساعات التي تحصى ولا تعد التي قضيناها في العمل على إطار عمل مفصل، عملنا من خلال العديد من الصيغ وطورنا مقترحات محددة لعبور فجوة الاختلافات، وخرجنا بفهم واضح للاحتياجات الأساسية لكلا الجانبين.
وقمت بدراسة الأفكار مع الجهات الإقليمية المعنية والدولية الرئيسية، بما في ذلك شركائنا في اللجنة الرباعية في العامين ونصف العام الماضية. وأعتقد أن ما برز من كل هذا هو إجماع واسع على أسس متوازنة من شأنها تلبية الاحتياجات الأساسية لكلا الجانبين.
وهنا يجدر القول أن الرئيس كلينتون يستحق الكثير من الثناء لوضعه أطر واسعة تهدف إلى سد الثغرات نحو وضع نهائي متقدم قبل 16 سنة. واليوم، مع انعدام الثقة العالي حتى للدخول في المحادثات، نحن نقف على الطرف الآخر من المعادلة. لا أحد من الجانبين على استعداد حتى للمخاطرة في اعتراف بخلاصة الطرف الآخر. والمزيد من المفاوضات التي تحرز التقدم فأنها ستسهم سوى في تعزيز أسوأ المخاوف.
ويدرك الجميع أن المفاوضات ستكون معقدة وصعبة، ولا يتوقع أن يوافق أحد فيهم على النتيجة النهائية مقدما. وإذا كان بإمكان الطرفين أن يظهروا فهمهم لمعظم الاحتياجات الأساسية للجانب الآخر – وأنهم مستعدون لتلبيتها إذا توفرت لهم أيضا في نهاية المفاوضات الشاملة – عندها إذن يمكن بناء ما يكفي من الثقة لتمكين بدء عملية مجدية.
ومن هذا المنطلق، فأننا نقدم المبادئ التالية: عدم استباق الحكم أو فرض نتيجة، وإنما توفير أساس ممكن لمفاوضات جادة عندما تكون الأطراف مستعدة لها. قد يكون للبلدان سياساتها المفصلة حول هذه القضايا — كما نفعل بالمناسبة — ولكن أعتقد أن هناك إجماع واسع على أن اتفاق الوضع النهائي الذي يمكن أن يلبي احتياجات الطرفين. الآن، قد يكون فرادى البلدان سياسات أكثر تفصيلا حول هذه القضايا – كما نفعل، بالمناسبة – ولكن أعتقد أن هناك إجماع واسع على أن اتفاق الوضع النهائي الذي يمكن أن يلبي احتياجات الطرفين يقوم بما يلي :
المبدأ الأول: توفير حدود دولية آمنة ومعترف بها ما بين إسرائيل وفلسطين قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا، يتفاوض عليها على أساس حدود 1967 مع تبادل متكافئ ومتفق عليه للأراضي.
وينص القرار الدولي 242، الذي تم تكريسه في القانون الدولي منذ 50 عاما، على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عام 1967 مقابل السلام مع دول الجوار وحدود آمنة ومعترف بها. وقد قبل الجانبان هذا القرار منذ ذلك الوقت وهو ما يزال أرضية صالحة للاتفاق اليوم.
وكان من أوائل ما قمت به كوزير هو العمل مع الجامعة العربية لتضمين الإشارة إلى المبادرة العربية للسلام بحدود عام 1967 بمبدأ تبادل الأراضي. وقد وافق الفلسطينيون على ذلك الأمر. وهذا ضرروي لعكس الحقائق العملية على الأرض، وتبادل أراض متكافئ ومتفق عليها سيضمن أن تكون الاتفاقية عادلة للطرفين.
وهناك اعتراف عريض بحاجة إسرائيل إلى حدود آمنة وقابلة للدفاع عنها وأن تكون الأراضي الفلسطينية قابلة للحياة ومتصلة جغرافيا. وهناك أيضا إجماع واضح أن المجتمع الدولي لن يعترف بأي تغيير إسرائيلي لحدود 1967 ما لم يتم الاتفاق عليه بين الجانبين.
المبدأ الثاني: تحقيق رؤية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لدولتين وشعبين، واحدة يهودية وأخرى عربية، مع الاعتراف المتبادل والمساواة في الحقوق الكاملة لجميع المواطنين من الشعب الآخر.
لقد كان مبدأ أساسيا لحل الدولتين من البداية: إقامة دولة للشعب اليهودي ودولة للشعب الفلسطيني، تحققان تطلعات كلا الجانبين. والقرار 181 مثبت في الوثائق الأساسية للفلسطينيين والإسرائيليين. وقد كان الاعتراف بيهودية إسرائيل هو موقف أمريكي لسنوات طويلة، وأعرب آخرون كثر عن استعدادهم للقبول بيهودية إسرائيل، على شرط التعامل مع مسألة قيام دولة فلسطينية.
وهناك ما يقرب من 1.7 مليون مواطن عربي يعتبرون إسرائيل وطنهم ولابد الآن ودوما أن يستطيعوا العيش كمواطنين متساويين. وهذا هو سبب أهمية اعتراف الجانبين بوطن أحدهما الآخر – إسرائيل دولة للشعب اليهودي، وفلسطين دولة للشعب الفلسطيني – ما تأكيد كلا الجانبين عن التزامها بالحقوق المتساوية لمواطني الجانبين.
المبدأ الثالث: تحقيق حل عادل ومتفق عليه ومنصف وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وبمساعدة دولية، والذي يتضمن التعويض والخيارات والمساعدة في العثور على منازل دائمة وذلك إقرارا بالمعاناة وغيرها من التدابير اللازمة لإيجاد حل شامل يقوم على دولتين ولشعبين.
وان محنة اللاجئين الفلسطينيين محزن ونحن متفقين على معالجة الموضوع. ولابد أن يتم تعويض الفلسطينيين بالاعتراف بمعاناتهم وإعطاء الخيارات لهم ومساعدتهم على العثور عن وطن دائم كجزء من حل شامل. والمجتمع الدولي قادر على تقديم الدعم والمساعدة المهمة بهذا الصدد، بما في ذلك جمع الدعم المالي للمساعدة في ضمان تلبية حجم التعويضات والاحتياجات للاجئين. وقد عبر الكثيرون عن استعدادهم للمساعدة في هذا الجهد. لكن هناك اعتراف عام أن الحل لابد أن ينسجم مع حل الدولتين للشعبين وأن لا يؤثر على السمة الأساسية لإسرائيل .
المبدأ الرابع: تحقيق حل متفق عليه لقضية القدس كعاصمة معترف بها دوليا للدولتين، وحماية وضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة بما يتفق مع الوضع الراهن المعمول بها .
تعد القدس الموضوع الأكثر حساسية للطرفين، وأن الحل لابد أن يلبي احتياجات الطرفين فحسب، بل أيضا متطلبات الأديان التوحيدية الثلاثة. وهذا هو سبب ضرورة حماية الأماكن المقدسة التي يقدسها المليارات حول العالم وإبقاء الوصول لها متاحا، وأن يبقى الوضع القائم كما هو عليه. وكما يقر العديد من الأطراف أن القدس ينبغي أن لا تقسم كما حصل في عام 1967. وفي نفس الوقت، هناك اعتراف واسع أنه لن يكون هناك اتفاق سلام دون الإقرار بتطلعات الجانبين الأساسية في إقامة عاصمتيهما هناك.
المبدأ الخامس: تلبية الاحتياجات الأمنية لإسرائيل ووضع نهاية كاملة للاحتلال، مع التأكد من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بفعالية وقدرة فلسطين على توفير الأمن لشعبها في دولة ذات سيادة ومنزوعة السلاح.
إن الأمن هو مسألة أساسية لإسرائيل. والجميع يتفهم عدم قبول الحكومة الإسرائيلية باتفاق لا يلبي احتياجاتها الأمنية أو يهدد بخلق تهديد أمني دائم في الضفة الغربية كما هو الحال في غزة. ولابد أن تكون إسرائيل قادرة على حماية نفسها بفعالية، بما في ذلك ضد الإرهاب والتهديدات الإقليمية الأخرى. وهناك استعداد حقيقي في مصر والأردن وغيرها من الدول للعمل سويا مع إسرائيل لمعالجة التحديات الأمنية الرئيسية. وتعتقد الولايات المتحدة أن هذه الجهود الجماعية، بما في ذلك التنسيق في أمن الحدود والتبادل الاستخباراتي والعمليات المشتركة، يمكن أن تلعب دورا حاسما في تحقيق السلام.
وكما يعد إنهاء الاحتلال بنفس الوقت موضوع أساسي للفلسطينيين. وهم بحاجة للتأكد أن الاحتلال العسكري سينتهي فعليا بعد فترة انتقالية متفق عليها، وأن باستطاعتهم العيش بحرية وكرامة في دولة ذات سيادة توفر الأمان لشعبها من دون جيش وطني. وقد تم قبول ذلك على نطاق واسع أيضا. وكما من المهم أن ندرك وجود العديد من الطرق المختلفة بدون الاحتلال لإسرائيل وفلسطين والأردن ومصر والولايات المتحدة وغيرها للتعاون في توفير الأمن .
وأن تحقيق التوازن لتلك المتطلبات كان من بين أهم التحديات التي واجهناها في المفاوضات، ولكنه كان المجال استطاعت الولايات المتحدة من تقديم معظم المساعدات. وهذا هو السبب جعل الفريق الذي كان يقوده الجنرال جون ألين، والذي هو هنا، وأكن له امتنان كبير على ما بذله من ساعات طويلة من الجهد — وهو واحد من العقول العسكرية قبل كل شيء لدينا — جنبا إلى جنب مع عشرات الخبراء من وزارة الدفاع ووكالات أخرى، كل منها تعمل على نطاق واسع مع قوات الدفاع الإسرائيلية في محاولة إيجاد الحلول التي يمكن أن تساعد إسرائيل لتلبية الاحتياجات الأمنية .
وكما طوروا أساليب مبتكرة لإنشاء أمن حدود غير مسبوق يعزز من القدرة الفلسطينية ويتيح لإسرائيل الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التهديدات بنفسها حتى عندما يكون الاحتلال قد انتهى. ولا يقترح الجنرال ألين وفريقه أي نتيجة معينة أو جدول زمني وكما لا نقترح أن التكنولوجيا لحل المشاكل. وكانوا يعملون ببساطة على سبل دعم كل ما يتفق عليه المفاوضون. وقد حققوا عمل مؤثر جدا يمنح إسرائيل الثقة التامة بأنه يمكن تلبية متطلبات أمن إسرائيل.
المبدأ السادس: إنهاء الصراع وجميع المطالبات القائمة، مما يتيح تطبيع العلاقات وتعزيز الأمن الإقليمي للجميع وحسب رؤية مبادرة السلام العربية. لابد لاتفاقية الوضع النهائي أن تحل كل المسائل العالقة للجانبين وأن تجلب نهاية لهذا الصراع، حتى يتسنى لهما المضي قدما في عهد جديد من التعايش المسالم والتعاون. وهذا سيجلب سلام أوسع لإسرائيل مع جيرانها العرب. وهذا تعهد أساسي في مبادرة السلام العربية، والتي أكدها قادة عرب بارزين مؤخرا.
وترسم المبادرة العربية للسلام صورة لتعزيز السلام للجميع في المنطقة. وكما تجسد إسرائيل كشريك في تلك الجهود عند تحقيق السلام. فهذه المجال حيث تبحث اسرائيل والعالم العربي في تلك اللحظة العظيمة ربما إلى تحولات ممكنة في الشرق الأوسط منذ تأسيس إسرائيل في 1948. ويواجه العالم العربي مجموعة معينة من التحديات الأمنية. وستكون إسرائيل والولايات المتحدة والأردن ومصر — سويا مع دول مجلس التعاون الخليجي– مستعدة للسلام الإسرائيلي- الفلسطيني وراغبة في تحديد شراكة أمنية للمنطقة وسيكون هذا الأمر جديدا من نوعه بالتأكيد .
ومن المهم لذلك أيها السيدات والسادة ان نعمل جميعنا على الحفاظ على امكانية السلام مفتوحة ، وأن لا نفقد الأمل بحل الدولتين، مهما يبدو هذا الأمر صعبا — لأنه في الحقيقة لا وجود بديل قابل للتطبيق.
ونحن نعلم جميعا في الوقت الحاضر أن الكلام لوحده لن يحقق السلام. واقترحت ، وبالاستناد إلى خبرة تمتد لأكثر من ثلاثين عاما والدروس المستقاة من السنوات الأربع الماضية، وأعتقد أن الرئيس أوباما كذلك قد تعهد ويعتقد بوجود مسار يمكن للأطراف أن تسلكه: أي خطوات واقعية على الأرض في الوقت الحاضر وبما يتفق مع التزامات سابقة للأطراف، والتي ستبدأ عملية الفصل لدولتين: وافق سياسي للعمل نحو خلق الظروف لمحادثات ناجحة للوضع النهائي وكذلك أساسا للمفاوضات التي يمكن للأطراف أن تقبلها من اجل اظهار جديتهم بشأن تحقيق السلام .
ويمكننا تشجيعهم فقط لسلوك هذا المسار، ولا يمكننا القيام بذلك بدلا عنهم. وأن السلام إذا ما اتخذوا هذه الخطوات سيجلب منافع استثنائية لتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار الإسرائيليين والفلسطينيين وجميع دول المنطقة. حيث يحظى الاقتصاد الفلسطيني بامكانيات مذهلة في سياق الاستقلال ، لاسيما مع إمكانيات استثمار كبيرة للقطاع الخاص وقوى شبابية موهوبة وتواقة للعمل. وكما يتمتع الاقتصاد الإسرائيلي بنمو غير مسبوق لأنه أصبح قوة اقتصادية اقليمية مستفيدة من ثقافة لا نظير لها في الابداع وفرص التجارة مع الشركاء العرب. ويمكن في تلك الاثناء معالجة التحديات الأمنية بترتيبات أمنية جديدة تقوم من خلالها إسرائيل بالتعاون المفتوح مع الدول العربية الرئيسية. وهذا هو المستقبل الذي ينبغي على الجميع العمل من أجله.
والرئيس أوباما وأنا نعلم بأن الإدارة القادمة قد اشارت بانها ربما تسلك مسارا مختلفا وكذلك خروج عن السياسات الأمريكية حول الاستيطان والقدس وإمكانية حل الدولتين. فهذا أمر عليهم أن يقرروا به. وهذا ما نقوم به. ولكننا لا نستطيع –وبضمير واعي—ان لا نقوم بأي شيء وان لا نقوم بأي شيء عندما نرى أمل السلام ينسل بعيدا.
لقد آن الأوان لنقف مع ما هو صحيح. وكما نعلم منذ زمن طويل كيف تبدو دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن. وعلينا أن لا نخشى أن نقول ذلك.
وبدأت فعلا في الوقت الحاضر بالتفكير مليا بما تعلمناه—والطريق المتاح أمامنا—عندما انضمت مؤخرا إلى الرئيس أوباما للمشاركة في جنازة الدولة لشمعون بيريز. حيث كان شمعون من الآباء المؤسسين لإسرائيل والذي أصبح واحدا من أقدم سياسي العالم- رجل جميل. وأنا فخور بأن أطلق عليه صديقي وأعلم بأن الرئيس أوباما كان كذلك وتذكرت المرة الأولى التي رأيت فيها شمعون شخصيا – وكان واقفا في حديقة البيت الأبيض للتوقيع على اتفاق أوسلو التاريخي. وفكرت في آخر مرة، عندما كنا في حفل عشاء حميم شخص لشخص في يوم السبت وقبل بضعة أشهر فقط من وفاته ، حيث تفحصنا معا مستقبل إسرائيل والسلام الذي ما زال يؤمن به وبحماس لشعبه.
واختصر الموضوع ببساطة وبلاغة ، وهو ما يمكن لشمعون فقط أن يقوم باقتباسه “أن الانتداب الأصلي قد أعطى الفلسطينيين 48 بالمئة، وقد انخفضت الآن إلى 22 بالمئة. واعتقد أن 78 بالمئة كافية لنا” .
وإن العديد منا عندما اخلدنا شمعون للراحة الأبدية لا يسعه إلا أن يتساءل أنه ربما تم دفن السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين مع احد اكثر ابطالها بلاغة. ولن نسمح لهذا أن يحدث. وهناك الكثير وببساطة من المخاطر—للأجيال المستقبلية من الإسرائيليين والفلسطينيين—عند الاستسلام للتشاؤم، لاسيما وأن السلام ما زال ممكنا فعلا.
وكما ينبغي علينا أن لا نفقد الأمل بإمكانية تحقيق السلام. وعلينا أن لا نستسلم لهؤلاء الذين يقولون إن ما يحدث الآن ينبغي أن يكون دائما، وذلك بعدم وجود فرصة لمستقبل أفضل. والأمر متروك الإسرائيليين والفلسطينيين لاتخاذ الخيارات الصعبة للسلام، ولكننا يمكننا جميعا أن نساعدهم في ذلك. ودعونا ومن أجل الأجيال المستقبلية الإسرائيليين والفلسطينيين ، ومن أجل جميع شعوب المنطقة، ومن أجل الولايات المتحدة، ومن أجل أولئك المنتشرون في جميع أنحاء العالم مما يصلون ويعملون للسلام وللأجيال أن تأمل بأن نكون جاهزين—ولاسيما الاسرائيليين والفلسطينين – من اجل اتخاذ هذه الخيارات الآن.
شكرا جزيلا لكم. (تصفيق)