الممثلة الدائمة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة
بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة
مدينة نيويورك
9 أبريل 2018
قبل عام واحد بالضبط، وقفت في قاعة مجلس الأمن وأنا أمسك بصور لأطفال سوريين قتلى. وبعد ذلك اليوم، صليت لئلا اضطر إلى القيام بذلك مرة أخرى. أستطيع القيام بذلك اليوم، فثمة العديد من الصور المروعة بالفعل. عمل الكثير منا جاهدين لضمان ألا نضطر في يوم من الأيام لمشاهدة صور أطفال قد اختنقوا بالغاز حتى الموت في سوريا.
ولكن ها هو اليوم الذي صلينا ألا يأتي أبداً. تم مرة أخرى استخدام الأسلحة الكيميائية على الرجال والنساء والأطفال السوريين. ومرة أخرى، يجتمع مجلس الأمن رداً على ذلك.
لن أرفع صور ضحايا هذه المرة. أستطيع القيام بذلك، إذ ثمة الكثير من الصور وهي مروعة. والأسوأ من الصور هو مقاطع الفيديو المطبوعة في أذهاننا والتي لا ينبغي لأحد أن يضطر إلى أن يراها يوماً.
يمكن أن أحمل صور أطفال صغار مستلقين بلا روح بالقرب من أمهاتهم. إخوة وأخوات. أطفال صغار ورضع لا يزالون يرتدون الحفاضات. جميعهم مستلقون معاً، أموات. بشرتهم زرقاء شاحبة، بلون ألفناه بشكل مأساوي من مشاهد الأسلحة الكيميائية. عيونهم مفتوحة بلا حياة. فقاعات الرغوة البيضاء تخرج من أفواههم وأنوفهم. صور موتى سوريين ليسوا جنوداً. أشخاص ليسوا مسلحين. أشخاص أبرياء لا يمثلون أي تهديد… نساء وأطفال يختبئون في الأقبية هرباً من هجومات بشار الأسد المتجددة. عائلات كانت تختبئ تحت الأرض للهروب من قنابل الأسد التقليدية والمدفعية.
ولكنّ الأقبية التي خالتها العائلات السورية حماية من القنابل التقليدية كانت أسوأ مكان يمكن التواجد فيه عند هبوط الأسلحة الكيميائية من السماء. ومساء السبت، أصبحت أقبية دوما مقابراً لهم. من المستحيل أن نعرف بالتحديد عدد من ماتوا لأنّ قوات الأسد قطعت إمكانية الوصول إلى دوما. ولكننا نعرف بمقتل العشرات وجرح المئات.
أستطيع أن أرفع صور الناجين. أطفال تحترق عيونهم ويكادون يختنقون فيما يحاولون التنفس. أستطيع أن أرفع صور أول المستجيبين الذين يغسلون المواد الكيميائية عن الضحايا ويضعون أجهزة التنفس للأطفال ويسيرون من غرفة إلى غرفة والعائلات مستلقية فيها بلا حراك والأطفال في أحضان أمهاتهم وآبائهم. يمكنني عرض صور لمستشفى تعرضت لهجوم بالأسلحة الكيميائية. أستطيع عرض صور مستشفيات استهدفت بالبراميل المتفجرة بعد الهجوم الكيميائي.
تعرضت سيارات الإسعاف والإنقاذ لهجمات متكررة مما ضاعف عدد القتلى المدنيين. وتعرضت مراكز الدفاع المدني لهجومات بغرض شلّ الاستجابة الطبية وزيادة معاناة الناجين.
من القادر على القيام بذلك؟ وحده وحش قادر على ذلك. وحده وحش قادر أن يستهدف المدنيين ثم يضمن عدم وجود سيارات إسعاف لنقل الجرحى أو مستشفيات لإنقاذهم أو أطباء وأدوية لتخفيف آلامهم.
يمكنني أن أرفع صور كل هذا القتل والمعاناة ليراها المجلس، ولكن ما الغرض من ذلك؟ ليس للوحش المسؤول عن هذه الهجمات ضمير ولا تصدمه صور الأطفال القتلى.
لا يمكن أن يشعر النظام الروسي بالخزي عند رؤية صور ضحاياه، هو الذي تلطخت يداه بدماء الأطفال السوريين. سبق أن جرّبنا ذلك. يجب ألا نتجاهل دور روسيا وإيران في تمكين الدمار القاتل على يد نظام الأسد. لدى روسيا وإيران مستشارون عسكريون في مطارات الأسد ومراكز عملياته. المسؤولون الروس متواجدون على الأرض للمساعدة في توجيه حملة “التجويع والاستسلام” التي يقودها النظام، بينما تقوم القوات المتحالفة مع إيران بالجزء الأكبر من العمل القذر. يعتمد الجيش السوري عندما يهاجم المدنيين على معدات عسكرية قدمتها روسيا.
تستطيع روسيا وقف هذه المذبحة التي لا معنى لها إذا أرادت ذلك، ولكنها تقف مع نظام الأسد وتدعمه بدون أي تردد.
ما الهدف من محاولة جعل هؤلاء يشعرون بالخزي؟ ففي نهاية المطاف، لا حكومة متحضرة تقبل بأي علاقة مع نظام الأسد القاتل. لا تعني صور الأطفال القتلى الكثير لحكومات مثل روسيا تنفق مواردها الخاصة لدعم الأسد.
وهذا المجلس الذي تفرج على هذه الصور العام الماضي قد فشل في التحرك لأنّ روسيا عرقلت هذا التحرك في كل مرة. سمحنا لروسيا على مدى عام أن تبقي حياة أرواح السوريين الأبرياء رهائن لتحالفها مع نظام الأسد. أتاح ذلك أيضاً لروسيا إضعاف مصداقية الأمم المتحدة.
يدين مجلس الأمن سريعاً الهجومات بالأسلحة الكيميائية، ولكنّ روسيا تمنع اتخاذ أي إجراء، إذ سبق أن استخدمت حق النقض ضد خمسة قرارات حول هذه المسألة وحدها. كما استخدمت هذا الحق 11 مرة بالإجمال لإنقاذ الأسد. وتستمر حياتنا كالمعتاد.
أنشأ المجلس آلية التحقيق المشتركة التي حددت مسؤولية النظام السوري عن الهجوم على خان شيخون قبل عام. ولكنّ روسيا قتلت هذه الآلية لأنها تؤيد الأسد وأفعاله. لقد قمنا بإدانة ذلك ثم استمرت حياتنا كالمعتاد.
قمنا بالضغط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار ووافق عليه المجلس بالإجماع، ولكنّ روسيا والأسد تجاهلاه على الفور. قمنا بإدانة ذلك ثم استمرت حياتنا كالمعتاد.
وها قد وصلنا الآن إلى هذه النقطة وها نحن نواجه عواقب منح روسيا مهلة باسم الوحدة. هذه الوحدة التي بيّنت روسيا عدة مرات أنها لا تريدها. وصلنا إلى هذه النقطة، في عالم أصبح فيه استخدام الأسلحة الكيميائية طبيعياً… بدءاً من مطار إندونيسي وصولاً إلى قرية إنكليزية ومروراً بمنازل ومستشفيات سورية. تم استخدام الأسلحة الكيميائية عشرات المرات منذ أن استخدم نظام الأسد هذه الأسلحة في خان شيخون قبل عام. وهذا المجلس لا يحرك ساكناً.
لا يتمحور ما نتعامل معه اليوم حول خلاف بين الولايات المتحدة وروسيا، بل بالاستخدام غير الإنساني لأسلحة كيميائية ضد مدنيين أبرياء. سجّلت كل دولة من الدول الأعضاء في هذا المجلس معارضة لاستخدام الأسلحة الكيميائية. لا يمكن أن يكون ثمة المزيد من التبريرات لفشلنا في التحرك.
لقد سبق أن قدّمنا للمجلس ووزعنا على أعضائه قراراً يطالب بالوصول الإنساني غير المقيد إلى سكان دوما. يبذل الأسد كل ما بوسعه لضمان أقصى معاناة في دوما. يجب أن تتمثل أولويتنا بمساعدة الجائعين والمرضى والمصابين الذين تركوا هناك. كما ندعو هذا المجلس إلى إعادة تأسيس آلية محترفة ومحايدة للتحقيق في الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، بما في ذلك الهجوم الذي وقع في نهاية الأسبوع. ونأمل أن ينضم إلينا زملاؤنا في هذا المجلس كما فعلوا من قبل. هذا هو الحد الأدنى الذي يمكننا القيام به رداً على الهجوم الذي شهدناه للتو.
لن تبقينا العرقلة الروسية رهائن عندما نواجه هجوماً مماثلاً. الولايات المتحدة مصممة على جعل هذا الوحش الذي رمى أسلحة كيميائية على الشعب السوري يخضع للمساءلة.
لقد سمعتم تصريحات رئيس الولايات المتحدة عن هذا الموضوع. الاجتماعات مستمرة وتتم دراسة قرارات هامة في هذه الأثناء.
نحن على حافة انحدار خطير. الشر العظيم المتمثل باستخدام الأسلحة الكيميائية، والذي كان في يوم من الأيام يوحد العالم في المعارضة له، على وشك أن يصبح وضعاً اعتيادياً جديداً. يجب ألا يسمح المجتمع الدولي بحصول ذلك.
لقد تخطينا مرحلة عرض صور الأطفال الأموات. لقد تخطينا مرحلة استحلاف الجهات المسؤولة بضمائرها. وصلنا إلى المرحلة التي ينبغي أن يشهد العالم فيها على تحقيق العدالة. سيسجل التاريخ هذه اللحظة كاللحظة التي قام فيها مجلس الأمن بواجبه أو أظهر فشله المطلق والكامل في حماية شعب سوريا.
وفي كلتا الحالتين، ستقوم الولايات المتحدة بالرد.
شكراً لكم.